فصل: بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ:

(وَمَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ زُوِّجَهَا فَهُوَ ابْنُهُ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) أَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ، لِأَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ فَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، فَكَانَ الْعُلُوقُ قَبْلَهُ فِي حَالَةِ النِّكَاحِ، وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يُخَالِطُهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ، وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا حُكْمًا فَتَأَكَّدَ الْمَهْرُ بِهِ.
قَالَ: (وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةَ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي حَالَةِ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنَّهَا تَكُونُ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَثَبَتَ نَسَبُهُ) لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ، فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَيَحْتَمِلُ بَعْدَهُ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَانَتْ رَجْعِيَّةً)، لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهَا فَيَصِيرُ بِالْوَطْءِ مُرَاجِعًا.
(وَالْمَبْتُوتَةُ يَثْبُتُ وَلَدُهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ)، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ فَلَا يُتَيَقَّنُ زَوَالُ الْفِرَاشِ قَبْلَ الْعُلُوقِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ احْتِيَاطًا (وَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ)، لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَلَا يَكُونُ مِنْهُ، لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ)، لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ، وَلَهُ وَجْهٌ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ (فَإِنْ كَانَتْ الْمَبْتُوتَةُ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَى سَنَتَيْنِ)، لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأَشْبَهَتْ الْكَبِيرَةَ.
وَلَهُمَا أَنَّ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةً مُتَعَيِّنَةً وَهُوَ الْأَشْهُرُ فَبِمُضِيِّهَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِالِانْقِضَاءِ، وَهُوَ فِي الدَّلَالَةِ فَوْقَ إقْرَارِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، لِأَنَّهُ يُجْعَلُ وَاطِئًا فِي آخِرِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ، ثُمَّ تَأْتِي بِهِ لِأَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهُوَ سَنَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ادَّعَتْ الْحَبَلَ فِي الْعِدَّةِ فَالْجَوَابُ فِيهَا وَفِي الْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ، لِأَنَّ بِإِقْرَارِهَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا.
(وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَا بَيْنَ الْوَفَاةِ وَبَيْنَ السَّنَتَيْنِ).
وَقَالَ زَفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، لِأَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ لِتَعَيُّنِ الْجِهَةِ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الصَّغِيرَةِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ: لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ أُخْرَى، وَهُوَ وَضْعُ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْحَمْلِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَفِيهِ شَكٌّ.
(وَإِذَا اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ)، لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ فَبَطَلَ الْإِقْرَارُ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ)، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَهُ، وَهَذَا اللَّفْظُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ.
(وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ)، لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَهُوَ مُلْزِمٌ لِلنَّسَبِ، وَالْحَاجَةُ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ أَنَّهُ مِنْهَا فَيَتَعَيَّنُ بِشَهَادَتِهَا كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَالْمُنْقَضِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ كَمَالُ الْحَاجَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ظَهَرَ الْحَبَلُ أَوْ صَدَرَ الِاعْتِرَافُ مِنْ الزَّوْجِ، لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، وَالتَّعَيُّنُ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا (فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْوِلَادَةِ أَحَدٌ فَهُوَ ابْنُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ فَيُقْبَلُ فِيهِمْ تَصْدِيقُهُمْ، أَمَّا فِي حَقِّ النَّسَبِ هَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ؟ قَالُوا: إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ يَثْبُتُ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ، وَلِهَذَا قِيلَ تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ، وَقِيلَ لَا تُشْتَرَطُ، لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ، وَمَا ثَبَتَ تَبَعًا لَا يُرَاعَى فِيهِ الشَّرَائِطُ.
(وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ)، لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ سَكَتَ)، لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ وَالْمُدَّةَ تَامَّةٌ (فَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَشْهَدُ بِالْوِلَادَةِ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ الزَّوْجُ يُلَاعِنُ)، لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ، وَاللِّعَانُ إنَّمَا يَجِبُ بِالْقَذْفِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهِ (فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُكِ مُنْذُ أَرْبَعَةٍ، وَقَالَتْ هِيَ: مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَهُوَ ابْنُهُ)، لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْلَافَ وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ.
(وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: تَطْلُقُ)، لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَلِأَنَّهَا لَمَّا قُبِلَتْ فِي الْوِلَادَةِ تُقْبَلُ فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا، وَهُوَ الطَّلَاقُ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَهَذَا، لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَرُورِيَّةٌ فِي حَقِّ الْوِلَادَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهَا (وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَهُمَا تُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ)، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ لِدَعْوَاهَا الْحِنْثَ، وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهَا مُؤْتَمَنَةً فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ.
الشرح:
بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْبُيُوعِ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ وِلَادَاتِ النِّسَاءِ وَعُيُوبِهِنَّ، وَيَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ، وَامْرَأَتَانِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْأَعْمَشِ، بَيْنَهُمَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَائِنِيُّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.
قَالَ: (وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ (وَأَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} ثُمَّ قَالَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.
وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقَدِّرُ الْأَكْثَرَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قَالَتْهُ سَمَاعًا إذْ الْعَقْلُ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ».
قُلْت: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ جَمِيلَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ، قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ عَمُودِ الْمِغْزَلِ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ: لَا يَكُونُ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَمِنْ جِهَتِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: إنِّي حُدِّثْتُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي حَمْلِهَا عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ ظِلِّ الْمِغْزَلِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ يَقُولُ هَذَا؟ هَذِهِ جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ، وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ، حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، كُلَّ بَطْنٍ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَوْلُ عُمَرَ: إنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا قَالَهُ لِبَقَاءِ الْحَمْلِ أَرْبَعَ سِنِينَ، انْتَهَى.
(وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ يَوْمِ اشْتَرَاهَا لَزِمَهُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ)، لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ، لِأَنَّهُ يُضَافُ الْحَادِثُ إلَى أَقْرَبِ وَقْتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدًا بَائِنًا أَوْ خُلْعًا أَوْ رَجْعِيًّا، أَمَّا إذَا كَانَ اثْنَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ حُرْمَةً عَلَيْهِ غَلِيظَةً، فَلَا يُضَافُ الْعُلُوقُ إلَّا إلَى مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالشِّرَاءِ.
(وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ امْرَأَةٌ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ)، لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَمَنْ قَالَ: الْغُلَامُ هُوَ ابْنِي ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَتْ أُمُّ الْغُلَامِ وَقَالَتْ: أَنَا امْرَأَتُهُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَهُوَ ابْنُهُ يَرِثَانِهِ) وَفِي النَّوَادِرِ جَعَلَ هَذَا جَوَابَ الِاسْتِحْسَانِ.
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا الْمِيرَاثُ، لِأَنَّ النَّسَبَ كَمَا ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَبِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ وَبِكَوْنِهَا أُمَّ الْغُلَامِ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِذَلِكَ وَضْعًا وَعَادَةً (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: أَنْتِ أُمُّ وَلَدٍ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا)، لِأَنَّ ظُهُورَ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ حُجَّةٌ فِي دَفْعِ الرِّقِّ لَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ الْوَلَدِ مَنْ أَحَقُّ بِهِ؟

(وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ) لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ وَأَقْدَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ.
فَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهَا أَنْظَرَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهْدٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك يَا عُمَرُ، قَالَهُ حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ مُتَوَافِرُونَ. (وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ) عَلَى مَا نَذْكُرُ.
الشرح:
بَابُ الْوَلَدِ مَنْ أَحَقُّ بِهِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي».
قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ السُّلَمِيُّ ثَنَا الْوَلِيدُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو يَعْنِي الْأَوْزَاعِيَّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ بِهِ سَوَاءٌ.
قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهْدٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك يَا عُمَرُ، قَالَهُ حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ مُتَوَافِرُونَ.
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ، ثُمَّ أَتَى عَلَيْهَا، وَفِي حِجْرِهَا عَاصِمٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهَا، فَتَجَاذَبَاهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى بَكَى الْغُلَامُ، فَانْطَلَقَا إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ مَسْحُهَا، وَحِجْرُهَا، وَرِيحُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْك، حَتَّى يَشِبَّ الصَّبِيُّ فَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: طَلَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ امْرَأَتَهُ الْأَنْصَارِيَّةَ أُمَّ ابْنِهِ عَاصِمٍ، فَلَقِيَهَا تَحْمِلُهُ بِمُحَسِّرٍ، وَقَدْ فُطِمَ، وَمَشَى، فَأَخَذَ بِيَدِهِ لِيَنْتَزِعَهُ مِنْهَا، وَنَازَعَهَا إيَّاهُ، حَتَّى أَوْجَعَ الْغُلَامَ، وَبَكَى، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِابْنِي مِنْكِ، فَاخْتَصَمَا إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَضَى لَهَا بِهِ، وَقَالَ: رِيحُهَا وَحِجْرُهَا وَفِرَاشُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْكَ، حَتَّى يَشِبَّ، وَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «خَاصَمَتْ امْرَأَةُ عُمَرَ عُمَرَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ طَلَّقَهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ أَعْطَفُ، وَأَلْطَفُ، وَأَرْحَمُ، وَأَحْنَى، وَأَرْأَفُ، وَهِيَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ عُمَرَ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمًا، ثُمَّ فَارَقَهَا عُمَرُ، فَرَكِبَ يَوْمًا إلَى قُبَاءَ، فَوَجَدَ ابْنَهُ يَلْعَبُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَخَذَهُ بِعَضُدِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الدَّابَّةِ، فَأَدْرَكَتْهُ جَدَّةُ الْغُلَامِ فَنَازَعَتْهُ إيَّاهُ، فَأَقْبَلَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: ابْنِي، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: ابْنِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَمَا رَاجَعَهُ عُمَرُ الْكَلَامَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَزَادَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ: «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ طَلَّقَ جَمِيلَةَ بِنْتَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَفْلَحِ، فَتَزَوَّجَتْ، فَجَاءَ عُمَرُ، فَأَخَذَ ابْنَهُ، فَأَدْرَكَتْهُ الشَّمُوسُ بِنْتُ أَبِي عَامِرٍ الْأَنْصَارِيَّةُ، وَهِيَ أُمُّ جَمِيلَةَ، فَأَخَذَهُ، فَتَرَافَعَا إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لِعُمَرَ: خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا، فَأَخَذَتْهُ»، انْتَهَى.
(وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَيْهِ)، لِأَنَّهَا عَسَتْ تَعْجَزُ عَنْ الْحَضَانَةِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمٌّ فَأُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ وَإِنْ بَعُدَتْ) لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّ الْأُمِّ، فَأُمُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْأَخَوَاتِ)، لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ، وَلِهَذَا تُحْرِزُ مِيرَاثَهُنَّ السُّدُسَ وَلِأَنَّهَا أَوْفَرُ لِلْوِلَادِ.
(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ جَدَّةٌ فَالْأَخَوَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ)، لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ الْأَبَوَيْنِ، وَلِهَذَا قُدِّمْنَ فِي الْمِيرَاثِ، وَفِي رِوَايَةٍ: الْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِأَبٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ» وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} إنَّهَا كَانَتْ خَالَتَهُ (وَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ)، لِأَنَّهَا أَشْفَقُ (ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ)، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ (ثُمَّ الْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ) تَرْجِيحًا لِقَرَابَةِ الْأُمِّ (وَيُنَزَّلُ كَمَا نَزَّلْنَا الْأَخَوَاتِ) مَعْنَاهُ تَرْجِيحُ ذَاتِ قَرَابَتَيْنِ ثُمَّ قَرَابَةِ الْأُمِّ (ثُمَّ الْعَمَّاتُ يُنَزَّلْنَ كَذَلِكَ، وَكُلُّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ يَسْقُطُ حَقُّهَا) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ زَوْجَ الْأُمِّ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا يُعْطِيهِ نَزْرًا وَيَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا فَلَا نَظَرَ، قَالَ: (إلَّا الْجَدَّةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا الْجَدَّ)، لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ أَبِيهِ، فَيَنْظُرُ لَهُ (وَكَذَلِكَ كُلُّ زَوْجٍ هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَنْهُ) لِقِيَامِ الشَّفَقَةِ نَظَرًا إلَى الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ.
(وَمَنْ سَقَطَ حَقُّهَا بِالتَّزَوُّجِ يَعُودُ إذَا ارْتَفَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ)، لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ فَاخْتَصَمَ فِيهِ الرِّجَالُ فَأَوْلَاهُمْ أَقْرَبُهُمْ تَعْصِيبًا)، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْأَقْرَبِ، وَقَدْ عُرِفَ التَّرْتِيبُ فِي مَوْضِعِهِ غَيْرَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُدْفَعُ إلَى عَصَبَةِ غَيْرِ مَحْرَمٍ كَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنِ الْعَمِّ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، وَهُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ عَنْ عَلِيٍّ: «قَالَ: لَمَّا خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ أَتَتْنَا بِنْتُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمِّ يَا عَمِّ، فَتَنَاوَلْتُهَا بِيَدِهَا، فَدَفَعْتُهَا إلَى فَاطِمَةَ، فَقُلْت: دُونَكِ بِنْتَ عَمِّكِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ اخْتَصَمْنَا فِيهَا: أَنَا، وَجَعْفَرٌ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَقَالَ: جَعْفَرٌ بِنْتُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا عِنْدِي يَعْنِي أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَقَالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي، وَقُلْت: أَنَا أَخَذْتُهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَنْتَ يَا جَعْفَرُ فَأَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ، فَمِنِّي وَأَنَا مِنْك، وَأَمَّا أَنْتَ يَا زَيْدُ، فَأَخُونَا وَمَوْلَانَا، وَالْجَارِيَةُ عِنْدَ خَالَتِهَا، فَإِنَّ الْخَالَةَ وَالِدَةٌ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْبَرَاءِ بِلَفْظِ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ»، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ: «الْخَالَةُ أُمٌّ»، فَالْبُخَارِيُّ أَخْرَجَهُ فِي الشَّهَادَاتِ، وَفِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ فِي بَابِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: «اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا لَهُ: قُلْ لِصَاحِبِك: اُخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبِعَتْهُمْ ابْنَةُ حَمْزَةَ: يَا عَمِّ يَا عَمِّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَك ابْنَةَ عَمِّكِ، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ»، مُخْتَصَرٌ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عُجَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِيهِ: «فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرٍ، تَكُونُ عِنْدَ خَالَتِهَا، وَقَالَ: إنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ»، مُخْتَصَرٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الشَّيْخِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ النَّسَائِيّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمَدَنِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ»، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ بِيُوسُفَ هَذَا، وَوَصَفَهُ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «إنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ لَتَطُوفُ بَيْنَ الرِّجَالِ، إذْ أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِهَا، فَأَلْقَاهَا إلَى فَاطِمَةَ فِي هَوْدَجِهَا، قَالَ: فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَأَيْقَظُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَلِيٌّ: ابْنَةُ عَمِّي، وَأَنَا أَخْرَجْتُهَا، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا عِنْدِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرٍ وَقَالَ: الْخَالَةُ وَالِدَةٌ، فَقَامَ جَعْفَرٌ فَحَجَلَ حَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ دَارَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا يَا جَعْفَرُ؟ قَالَ: شَيْءٌ رَأَيْتُ الْحَبَشَةَ تَصْنَعُهُ بِمُلُوكِهِمْ إذَا أَرْضَوْهُمْ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ بِسَنَدِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعَمُّ أَبٌ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ أَبٌ، وَالْخَالَةُ وَالِدَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ»، انْتَهَى.
(وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ فَيَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ) وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لِأَنَّ تَمَامَ الِاسْتِغْنَاءِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ.
(وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى يَحْتَاجُ إلَى التَّأَدُّبِ وَالتَّخَلُّقِ بِآدَابِ الرِّجَالِ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّثْقِيفِ، وَالْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدَّرَ الِاسْتِغْنَاءَ بِسَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ)، لِأَنَّ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ، وَالْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَحْتَاجُ إلَى التَّحْصِينِ وَالْحِفْظِ، وَالْأَبُ فِيهِ أَقْوَى وَأَهْدَى.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْأَبِ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ (وَمَنْ سِوَى الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَبْلُغَ حَدًّا تُشْتَهَى، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ)، لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا، وَلِهَذَا لَا تُؤَاجِرُهَا لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَيْهِ شَرْعًا.
قَالَ: (وَالْأَمَةُ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ كَالْحُرَّةِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ)، لِأَنَّهُمَا حُرَّتَانِ أَوْ أَنَّهُ ثُبُوتُ الْحَقِّ (وَلَيْسَ لَهُمَا قَبْلَ الْعِتْقِ حَقٌّ فِي الْوَلَدِ) لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْحَضَانَةِ بِالِاشْتِغَالِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى.
(وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ أَوْ يُخَافُ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ) لِلنَّظَرِ قَبْلَ ذَلِكَ وَاحْتِمَالِ الضَّرَرِ بَعْدَهُ (وَلَا خِيَارَ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَهُمَا الْخِيَارُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَيَّرَ.
وَلَنَا أَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ الدَّعَةُ لِتَخْلِيَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّعِبِ فَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يُخَيِّرُوا، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقُلْنَا قَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اللَّهُمَّ اهْدِهِ» فَوُفِّقَ لِاخْتِيَارِ الْأَنْظَرِ بِدُعَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَالِغًا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَيَّرَ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ: عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ سُلَيْمٍ وَيُقَالُ: سَلْمَانُ مَوْلًى مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَجُلِ صِدْقٍ، قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَارِسِيَّةٌ مَعَهَا ابْنٌ لَهَا، فَادَّعَيَاهُ، وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَرَطَنَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اسْتَهِمَا عَلَيْهِ وَرَطَنَ لَهَا بِذَلِكَ فَجَاءَ زَوْجُهَا، فَقَالَ: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اللَّهُمَّ إنِّي لَا أَقُولُ هَذَا، إلَّا أَنِّي سَمِعْت امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَهِمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا أَبُوك، وَهَذِهِ أُمُّك، فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْت، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي الطَّلَاقِ هَكَذَا، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ مُخْتَصَرًا، بِدُونِ الْقِصَّةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ»، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو مَيْمُونَةَ اسْمُهُ سُلَيْمٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيهِ هِلَالُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ، سَلْمَى مَوْلًى مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَجُلِ صِدْقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مَيْمُونَةَ هَذَا لَيْسَ مَجْهُولًا، فَقَدْ كَنَّاهُ هِلَالُ بْنُ أُسَامَةَ بِأَبِي مَيْمُونَةَ، وَسَمَّاهُ سَلْمَى، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَوْلًى مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ رَجُلُ صِدْقٍ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي الرَّاوِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ الْمَذْكُورِ أَبُو النَّضْرِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ: وَرَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ هَذَا الْحَدِيثَ نَفْسَهُ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ ابْنَهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اسْتَهِمَا فِيهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْغُلَامِ: تَخَيَّرْ أَيَّهُمَا شِئْت، قَالَ: فَاخْتَارَ أُمَّهُ، فَذَهَبَتْ بِهِ»، انْتَهَى.
قَالَ: فَجَاءَ مِنْ هَذَا جَوْدَةُ الْحَدِيثِ وَصِحَّتُهُ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُخَيِّرُوا.
قُلْت: تَقَدَّمَ قَرِيبًا لِمَالِكٍ، وَالْبَيْهَقِيِّ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ: «أَنَّهُ دَفَعَ الْغُلَامَ لِأُمِّهِ لَمَّا اخْتَصَمَ فِيهِ عُمَرُ، وَأُمُّهُ، وَقَالَ فِيهِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا»، وَقَدْ وَرَدَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ يَقُولُ: اخْتَصَمَ أَبٌ وَأُمٌّ فِي ابْنٍ لَهُمَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَخَيَّرَهُ، فَاخْتَارَ أُمَّهُ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ، انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ»، فَوُفِّقَ لِاخْتِيَارِ الْأَنْظَرِ بِدُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاقِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْفَرَائِضِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ: عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ: «أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَجَاءَ بِابْنٍ لَهُمَا صَغِيرٍ لَمْ يَبْلُغْ، فَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَبَ هَاهُنَا، وَالْأُمَّ هَاهُنَا، ثُمَّ خَيَّرَهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ، فَذَهَبَ إلَى أَبِيهِ»، انْتَهَى.
وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: «أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: ابْنَتِي، وَهِيَ فَطِيمٌ، وَقَالَ رَافِعٌ: ابْنَتِي، فَأَقْعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَّ نَاحِيَةً، وَالْأَبَ نَاحِيَةً، وَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ لَهُمَا: اُدْعُوَاهَا، فَمَالَتْ الصَّبِيَّةُ إلَى أُمِّهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ اهْدِهَا، فَمَالَتْ إلَى أَبِيهَا، فَأَخَذَهَا»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِهِ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِهِ، وَبِسَنَدِ أَبِي دَاوُد وَمَتْنِهِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِهِ، وَسَمَّى فِيهِ الْبِنْتَ الْمَذْكُورَةَ عَمِيرَةَ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِهِ، وَقَالَ: فِيهِ تَشَبُّهٌ بِالْفَطِيمِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ابْنِ عُلَيَّةَ ثَنَا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَمَةَ: «أَنَّ أَبَوَيْنِ اخْتَصَمَا فِي وَلَدٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا كَافِرٌ، فَخَيَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَجَّهَ إلَى الْكَافِرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ، فَتَوَجَّهَ إلَى الْمُسْلِمِ، فَقَضَى لَهُ بِهِ»، انْتَهَى.
وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ: «فِي وَلَدٍ صَغِيرٍ»، وَفِيهِ، وَفِي لَفْظِ السُّنَنِ مَا يَدْفَعُ حَمْلَ الْمُصَنِّفِ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ كَانَ بَالِغًا، وَأَبُو سَلَمَةَ هَذَا عَدَّهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا الْبَصْرَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ هَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، وَعَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّ أَبِيهِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ، فَإِنَّهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ ثِقَةٌ، وَأَبُوهُ جَعْفَرٌ كَذَلِكَ، قَالَهُ الْكُوفِيُّ، وَرِوَايَةُ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَرِوَايَةُ أَبِي عَاصِمٍ، وَعَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي سُنَنِهِ، وَسُمِّيَتْ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ: عَمِيرَةَ، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا، وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ جَارِيَةً، فَلَعَلَّهُمَا قَضِيَّتَانِ، خُيِّرَ فِي إحْدَاهُمَا غُلَامٌ، وَفِي الْأُخْرَى جَارِيَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَبَوَيْهِ اخْتَصَمَا فِيهِ، الْحَدِيثَ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ أَيْضًا، وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ الْبَتِّيِّ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ: «أَنَّ جَدَّهُ أَسْلَمَ، وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ»، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، رَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْهُ، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ سَلَمَةَ، وَأَبَاهُ وَجَدَّهُ لَا يُعْرَفُونَ، وَلَوْ صَحَّتْ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ تَجْعَلَهُ خِلَافًا لِرِوَايَةِ أَصْحَابِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَإِنَّهُمْ ثِقَاتٌ، وَهُوَ، وَأَبُوهُ ثِقَتَانِ، وَجَدُّهُ رَافِعُ بْنُ سِنَانٍ مَعْرُوفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.